فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الحق هو الله تعالى.
الثاني: عيسى وسماه حقًا لأنه جاء بالحق.
الثالث: هو القول الذي قاله عيسى من قبل.
{الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يشكّون، قاله الكلبي.
الثاني: يختلفون لأنهم اختلفوا في الله وفي عيسى، فقال قوم هو الله، وقال آخرون هو ابن الله، وقال آخرون هو ثالث ثلاثة. وهذه الأقاويل الثلاثة للنصارى.
وقال المسلمون: هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم.
ونسبته اليهود إلى غير رشدة فهذا معنى قوله: {الَّذِي فِيهِ تَفْتَرُونَ} بالفاء معجمة من فوق.
قال ابن عباس ففرّ بمريم ابن عمها معها ابنها إلى مصر فكانواْ فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}.
المعنى قل يا محمد لمعاصريك من اليهود والنصارى {ذلك} الذي منه قصة {عيسى بن مريم} وإنما قدرنا في الكلام قل يا محمد لأنه يجيء في الآية بعد، {وأن الله ربي وربكم} هذه مقالة بشر وليس يقتضي ظاهر الآية قائلًا من البشر سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يتحمل أن يكون قوله: {ذلك عيسى} الى قوله: {فيكون} إخبارًا لمحمد إعتراضًا أثناء كلام عيسى، ويكون قوله: {وأن} بفتح الألف عطفًا على قوله: {الكتاب} [مريم: 30]. وقد قال وهب بن منبه: عهد عيسى إليهم {أن ربي وربكم}، ومن كسر الألف عطف على قوله: {إني عبد الله} [مريم: 30] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي وعامة الناس {قولُ الحق} برفع القول على معنى هذا قول الحق. وقرأ عاصم وابن عامر وابن أبي إسحاق {قولَ الحق} بنصب القول على المصدر. قال أبو عبدالرحمن المقري: كان يجالسني ضرير ثقة فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقرأ: {قولَ الحق} نصبًا، قال أبو عبدالرحمن: وكنت أقرأ بالرفع فجنبت فصرت أقرأ بهما جميعًا. وقرأ عبد الله بن مسعود {قال الله} بمعنى كلمة الله، وقرأ عيسى {قال الحق} وقرأ نافع والجمهور: {يمترون} بالياء على الكناية عنهم، وقرأ نافع أيضًا وأبو عبد الرحمن وداود بن أبي هند {تمترون} بالتاء على الخطاب لهم، والمعنى تختلفون أيها اليهود والنصارى فيقول بعضهم هو لزنية ونحو هذا وهم اليهود، ويقول بعضهم هو الله تعالى فهذا هو امتراؤهم، وسيأتي شرح ذلك من بعد هذا. وقوله: {ما كان لله أن يتخذ} معناه النفي وهذا هو معنى هذه الألفاظ حيث وقعت ثم يضاف الى ذلك بحسب حال المذكور فيها إما نهي وزجر كقوله تعالى: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا} [التوبة: 120] وإما تعجيز كقوله تعالى: {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} [النمل: 60]، وإما تنزيه كهذه الآية. و{من ولد}، دخلت {من} مؤكدة للجحد لنفي الواحد فما فوقه مما يحتله نظير هذه العبارة إذا لم تدخل {من}، وقوله، {قضى أمرًا}، أي واحدًا من الأمور وليس بمصدر أمر يأمر، فمعنى {قضى} أوجد أو أخرج من العدم، وهذه التصاريف في هذه الأفعال من مضي واستقبال هي بحسب تجوز العرب واتساعها، وقد تقدم القول في {كن فيكون}. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع {وأن الله} بفتح الألف وذلك عطف على قوله هذا {قول الحق}، {وإن الله ربي}، كذلك وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: {وإن} بكسر الألف وذلك بين على الاستئناف وقرأ أبي بن كعب {إن الله} بكسر الألف دون واو. وقوله: {فاعبدوه} وقف ثم ابتداء {هذا صراط} أي ما أعلمتكم به عن الله تعالى من وحدانيته ونفي الولد عنه وغير ذلك مما يتنزه عنه طريق واضح مفض إلى النجاة ورحمته.
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ}.
هذا ابتداء خبر من الله تعالى لمحمد عليه السلام بأن بني اسرائيل اختلفوا أحزابًا أي فرقًا، وقوله: {من بينهم} معناه أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا المختلفين. وروي في هذا عن قتادة أن بني اسرائيل جمعوا من أنفسهم اربعة أحبار غاية في المكانة والجلالة عندهم وطلبوهم بأن يبينوا أمر عيسى فقال احدهم: عيسى هو الله نزل إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات ثم صعد، فقال له الثلاثة كذبت واتبعه اليعقوبية، ثم قيل للثلاثة فقال أحدهم: عيسى ابن الله فقال له الاثنان كذبت واتبعه النسطورية، ثم قيل للاثنين فقال أحدهم عيسى أحد ثلاثة الله إله، ومريم إله، وعيسى إله، فقال له الرابع كذبت واتبعه الإسرائيلية، فقيل للرابع فقال عيسى عبد الله وكلمته ألقاها الى مريم فاتبع كل واحد من الأربعة فريقًا من بني اسرائيل ثم اقتتلوا فغلب المؤمنون وقتلوا وظهرت اليعقوبية على الجميع. وروي أن في ذلك نزلت {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21]. و(الويل) الحزن والثبور، وقيل ويل واد في جهنم، و{مشهد يوم عظيم} هو مشهد يوم القيامة ويحتمل أن يراد ب {مشهد يوم عظيم} يوم قتل المؤمنون حين اختلف الأحزاب، وقد أشار إلى هذا المعنى قتادة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ذلك عيسى ابن مريم}.
قال الزجاج: أي، ذلك الذي قال: إِني عبد الله، هو ابن مريم، لا ما تقول النصارى: إِنه ابن الله، وإِنه إِله. قوله تعالى: {قولَ الحق} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي: {قولُ الحق} برفع اللام. وقرأ عاصم، وابن عامر، ويعقوب: بنصب اللام. قال الزجاج: من رفع {قولُ الحق} فالمعنى: هو قولُ الحق، يعني هذا الكلام؛ ومن نصب، فالمعنى: أقول قول الحقّ. وذكر ابن الأنباري في الآية وجهين.
أحدهما: أنه لما وُصف بالكلمة جاز أن يُنعت بالقول.
والثاني: أن في الكلام إِضمارًا، تقديره: ذلك نبأُ عيسى، ذلك النبأ قول الحق.
قوله تعالى: {الذي فيه يمترون} أي: يشكُّون.
قال قتادة: امترت اليهود فيه والنصارى، فزعم اليهود أنه ساحر، وزعم النصارى أنه ابن الله وثالث ثلاثة.
قرأ أبو مجلز، ومعاذ القارىء، وابن يعمر، وأبو رجاء: {تمترون} بالتاء.
قوله تعالى: {ما كان لِلهِ أن يتَّخِذ مِن ولد} قال الزجاج: المعنى: أن يتخذ ولدًا.
و{مِنْ} مؤكِّدة تدل على نفي الواحد والجماعة، لأن للقائل أن يقول: ما اتخذت فرسًا، يريد: اتخذت أكثر من ذلك، وله أن يقول: ما اتخذت فرسين ولا أكثر، يريد: اتخذت فرسًا واحدًا؛ فإذا قال: ما اتخذت من فرس، فقد دلَّ على نفي الواحد والجميع.
قوله تعالى: {كن فيكون} وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: {فيكونَ} بالنصب، وقد ذكرنا وجهه في [البقرة 117].
قوله تعالى: {وإِنّ الله ربِّي وربُّكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {وأنّ الله} بنصب الألف.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {وإِن الله} بكسر الألف.
وهذا من قول عيسى؛ فمن فتح، عطفه على قوله: {وأوصاني بالصَّلاة والزَّكاة} وبأن الله ربّي؛ ومن كسر، ففيه وجهان.
أحدهما: أن يكون معطوفًا على قوله: {إِنِّي عبد الله}.
والثاني: أن يكون مستأنفًا.
قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب مِنْ بينهم}.
قال المفسرون: {مِنْ} زائدة، والمعنى: اختلفوا بينهم.
وقال ابن الأنباري: لما تمسَّك المؤمنون بالحق، كان اختلاف الأحزاب بين المؤمنين مقصورًا عليهم.
وفي الأحزاب قولان:
أحدهما: أنهم اليهود والنصارى، فكانت اليهود تقول: إِنه لغير رِشْدَةٍ، والنصارى تدَّعي فيه ما لا يليق به.
والثاني: أنهم فِرَق النصارى، قال بعضهم: هو الله، وقال بعضهم: ابن الله، وقال بعضهم: ثالث ثلاثة.
قوله تعالى: {فويل للذين كفروا} بقولهم في المسيح {مِنْ مَشْهَدِ يومٍ عظيمٍ} أي: من حضورهم ذلك اليوم للجزاء. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ}.
أي ذلك الذي ذكرناه عيسى ابن مريم فكذلك اعتقدوه، لا كما تقول اليهود إنه لغير رشدة، وأنه ابن يوسف النجار، ولا كما قالت النصارى: إنه الإله أو ابن الإله.
{قَوْلُ الحق} قال الكسائي: {قَوْلُ الْحَقِّ} نعت لعيسى؛ أي ذلك عيسى ابن مريم (قَوْلُ الحَقِّ).
وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله؛ والحق هو الله عز وجل.
وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق.
وقيل: التقدير هذا الكلام قول الحق.
قال ابن عباس: يريد هذا كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم قول الحق ليس بباطل؛ وأضيف القول إلى الحق كما قال: {وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16] أي الوعد الصدق.
وقال: {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} [يوسف: 109] أي ولا الدار الآخرة.
وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر {قَوْلَ الْحَقِّ} بالنصب على الحال؛ أي أقول قولًا حقًا.
والعامل معنى الإشارة في {ذلك}.
الزجاج: هو مصدر أي أقول قول الحق؛ لأن ما قبله يدل عليه.
وقيل: مدح.
وقيل: إغراء.
وقرأ عبد الله {قَالُ الحقِّ}.
وقرأ الحسن {قُولُ الحقِّ} بضم القاف، وكذلك في (الأنعام) {قَوْلُهُ الْحَقُّ}.
والقَوْلُ والقَالُ والقُولُ بمعنى واحد، كالرَّهْب والرَّهَب والرُّهْبِ.
{الذي} من نعت عيسى.
{فِيهِ يَمْتُرُونَ} أي يشكون؛ أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون القول الحق.
وقيل: {يمترون} يختلفون.
ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الحق الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ} قال: اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع؛ فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية.
فقالت الثلاثة: كذبت.
ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله وهم النّسطورية، فقال الاثنان كذبت، ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه، فقال: هو ثالث ثلاثة، الله إله وهو إله، وأمه إله، وهم الإسرائيلية ملوك النصارى.
قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا فظُهِر على المسلمين، فذلك قول الله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس} [آل عمران: 21].
وقال قتادة: وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} اختلفوا فيه فصاروا أحزابًا فهذا معنى قوله: {الذي فيه تمترون} بالتاء المعجمة من فوق وهي قراءة أبي عبد الرحمن السُّلَمي وغيره.
قال ابن عباس: فمر بمريم ابن عمها ومعها ابنها إلى مصر فكانوا فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه؛ ذكره الماوردي.
قلت: ووقع في تاريخ مصر فيما رأيت وجاء في الإنجيل؛ الظاهر أن السيد المسيح لما ولد في بيت لحم كان هيرودس في ذلك الوقت ملكًا، وأن الله تعالى أوحى إلى يوسف النجار في الحلم وقال له: قم فخذ الصبي وأمه واذهب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس مزمع أن يطلب عيسى ليهلكه، فقام من نومه: وامتثل أمر ربه، وأخذ السيد المسيح ومريم أمه وجاء إلى مصر، وفي حال مجيئه إلى مصر نزل ببئر البَلَسان التي بظاهر القاهرة، وغسلت ثيابه على ذلك البئر، فالبَلَسان لا يطلع ولا ينبت إلا في تلك الأرض، ومنه يخرج الدهن الذي يخالط الزيت الذي تعمّد به النصارى، ولذلك كانت قارورة واحدة في أيام المصريين لها مقدار عظيم، وتقع في نفوس ملوك النصارى مثل ملك القسطنطينية وملك صقلية وملك الحبشة وملك النوبة وملك الفرنجة وغيرهم من الملوك عندما يهاديهم به ملوك مصر موقعًا جليلًا جدًا، وتكون أحبّ إليهم من كل هدية لها قدر.
وفي تلك السّفْرة وصل السيد المسيح إلى مدينة الأشمونين وقسقام المعروفة الآن بالمحرقة، فلذلك يعظمها النصارى إلى الآن، ويحضرون إليها في عيد الفصح من كل مكان؛ لأنها نهاية ما وصل إليها من أرض مصر، ومنها عاد إلى الشام.
والله أعلم.
قوله تعالى: {مَا كَانَ للَّهِ} أي ما ينبغي له ولا يجوز {أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} {من} صلة للكلام؛ أي أن يتخذ ولدًا.
و{أن} في موضع رفع اسم {كان} أي ما كان لله أن يتخذ ولدًا؛ أي ما كان من صفته اتخاذ الولد، ثم نزه نفسه تعالى عن مقالتهم فقال: {سُبْحَانَهُ} أن يكون له ولد.
{إِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} تقدم في (البقرة) مستوفى.
{وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح {أن} وأهل الكوفة {وإن} بكسر الهمزة على أنه مستأنف.
تدل عليه قراءة أبيّ {كُنْ فَيَكُونُ إنَّ الله} بغير واو على العطف على {قَالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ}.
وفي الفتح أقوال: فمذهب الخليل وسيبويه أن المعنى؛ ولأن الله ربي وربكم، وكذا {وأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} ف {أن} في موضع نصب عندهما.
وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض على حذف اللام، وأجاز أن يكون أيضًا في موضع خفض بمعنى؛ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا وبأن الله ربي وربكم.
وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى؛ والأمر أن الله ربي وربكم.
وفيها قول خامس: حكى أبو عبيد أن أبا عمرو بن العلاء قاله، وهو أن يكون المعنى: وقضى أن الله ربي وربكم؛ فهي معطوفة على قوله: {أمرًا} من قوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} والمعنى إذا قضى أمرًا وقضى أن الله.
ولا يبتدأ ب {أن} على هذا التقدير، ولا على التقدير الثالث.
ويجوز الابتداء بها على الأوجه الباقية.
{فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي دين قويم لا اعوجاج فيه.
قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} {من} زائدة؛ أي اختلف الأحزاب بينهم.
وقال قتادة: أي ما بينهم.
فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى عليه السلام فاليهود بالقدح والسحر.
والنصارى قالت النسطورية منهم: هو ابن الله.
والملكانية ثالث ثلاثة.
وقالت اليعقوبية: هو الله؛ فأفرطت النصارى وغلت، وفرطت اليهود وقصرت.
وقد تقدّم هذا في (النساء).
وقال ابن عباس: المراد بالأحزاب الذين تحزبوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذبوه من المشركين.
{فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي من شهود يوم القيامة، والمشهد بمعنى المصدر، والشهود الحضور.
ويجوز أن يكون الحضور لهم، ويضاف إلى الظرف لوقوعه فيه، كما يقال: ويل لفلان من قتال يوم كذا؛ أي من حضوره ذلك اليوم.
وقيل: المشهد بمعنى الموضع الذي يشهده الخلائق، كالمحشر للموضع الذي يحشر إليه الخلق.
وقيل: فويل للذين كفروا من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور، فأجمعوا على الكفر بالله، وقولهم: إن الله ثالث ثلاثة. اهـ.